سورة الصافات - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الصافات)


        


قوله تعالى: {فاستفتهم} أي: سل أهل مكة سؤال توبيخ وتقرير، لأنهم زعموا أن الملائكة بنات الله {وهم شاهدون} أي: حاضرون. {ألا إِنَّهم من إِفْكهم} أي: كذبهم {لَيَقولون، ولد اللهُ} حين زعموا أن الملائكة بناته.
قوله تعالى: {أَصطفى البناتِ} قال الفراء: هذا استفهام فيه توبيخ لهم، وقد تُطرح ألف الاستفهام من التوبيخ، ومثله: {أذهبتم طيِّباتكم} [الأحقاف: 20]، {وأَذْهبتم} يُستفهم بها ولا يُستفهم، ومعناهما واحد. وقرأ أبو هريرة، وابن المسيّب، والزهري، وابن جماز عن نافع، وأبو جعفر، وشيبة: {وإِنهم لكاذبون اصْطفى} بالوصل غير مهموز ولا ممدود؛ قال أبو علي: وهو على وجه الخبر، كأنه قال: اصْطفى البناتِ على البنين، كما يقولون، كقوله: {ذُقْ إِنَّكَ أنتَ العزيزُ الكريمُ} [الدخان: 49].
قوله تعالى: {مالكم كيف تحكُمون} لله بالبنات ولأنفُسكم بالبنين؟! {أم لكم سُلطانٌ مُبينٌ} أي: حُجَّة بيِّنة على ما تقولون، {فائتوا بكتابكم} الذي فيه حُجَّتكم.
{وجَعَلوا بينه وبين الجِنَّة نَسَباً} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أنهم قالوا: هو وإِبليس أخَوان، رواه العوفي عن ابن عباس؛ قال الماوردي: وهو قول الزنادقة والذين يقولون: الخير مِنَ الله، والشَّرُّ من إِبليس.
والثاني: أن كفار قريش قالوا: الملائكة بنات الله، والجِنَّة صِنف من الملائكة. يقال لهم: الجِنَّة، قاله مجاهد.
والثالث: أن اليهود قالت: إِن الله تعالى تزوّج إِلى الجن فخرجت من بينهم الملائكة، قاله قتادة، وابن السائب.
فخرج في معنى الجِنَّة قولان:
أحدهما: أنهم الملائكة.
والثاني: الجن.
فعلى الأول، يكون معنى قوله: {ولقد عَلِمَتِ الجِنَّةُ} أي: عَلِمَت الملائكةُ {إَنهم} أي: إِن هؤلاء المشركين {لَمُحْضَرُونَ} النّار.
وعلى الثاني: {ولقد عَلِمت الجِنَّةُ إنهم} أي: إِن الجن أنفسها {لَمُحْضَرونَ} الحساب.
قوله تعالى: {إلاّ عِبادَ الله المُخْلصَين} يعني: الموحِّدين. وفيما استُثنوا منه قولان:
أحدهما: أنهم استُثنوا من حضور النار، قاله مقاتل.
والثاني: ممّا يصف أولئك، وهو معنى قول ابن السائب.
قوله تعالى: {فإنَّكم} يعني المشركين {وما تعبُدونَ} من دون الله، {ما أنتم عليه} أي: على ما تعبُدونَ {بِفاتنينَ} أي: بمُضِلِّينَ أحداً، {إِلاّ مَنْ هو صَالِ الجحيمِ} أي: مَنْ سبق له في عِلْم الله أنه يدخل النار.


ثم أَخبر عن الملائكة بقوله: {وما مِنّا} والمعنى: ما مِنّا مَلَك {إلاّ له مَقامٌ مَعلومٌ} أي: مكان في السموات مخصوص يعبُد اللهَ فيه {وإِنّا لَنَحْنُ الصّافُّونَ} قال قتادة: صفوف في السماء. وقال السدي: هو الصلاة. وقال ابن السائب: صفوفهم في السماء كصفوف أهل الدنيا في الأرض.
قوله تعالى: {وإِنّا لَنَحْنُ المُسَبِّحونَ} فيه قولان:
أحدهما: المُصَلُّون.
والثاني: المنزِّهون لله عز وجل عن السُّوءِ. وكان عمر بن الخطاب إذا أُقيمت الصلاة أقبل على الناس بوجهه وقال: يا أيها الناس استوُوا، فإنما يريد اللهُ بكم هَدْي الملائكة، {وإِنّا لَنَحْنُ الصّافُّون، وإِنّا لَنَحْنُ المُسَبِّحون}.
ثم عاد إلى الإِخبار عن المشركين، فقال: {وإِنْ كانوا لَيَقُولونَ} اللام في {لَيَقُولونَ} لام توكيد؛ والمعنى: وقد كان كفار قريش يقولون قبل بعثة النبيّ صلى الله عليه وسلم، {لو أنّ عندنا ذِكْراً} أي: كتاباً {من الأَوَّلِينَ} أي: مثل كتب الأولين، وهم اليهود والنصارى، {لَكُنّا عِبَادَ الله المُخْلَصِينَ} أي: لأَخلصْنا العبادة لله عز وجل.
{فكَفَروا به} فيه اختصار، تقديره: فلمّا آتاهم ما طلبوا، كفروا به، {فسوف يَعْلَمونَ} عاقبة كفرهم، وهذا تهديد لهم.
{ولقد سَبَقَتْ كَلِمَتُنا} أي: تقدَّم وَعْدُنا للمرسَلِين بنصرهم، والكلمة قوله: {كَتَب اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنا ورُسُلِي} [المجادلة: 21]، {إِنّهم لَهُمُ المصُورون} بالحُجَّة، {وإنَّ جُندنا} يعني حزبنا المؤمنين {لَهُمُ الغالِبونَ} بالحُجَّة أيضاً والظَّفَر. {فَتَوَلَّ عنهم} أي: أعرِض عن كفار مكة {حتى حينٍ} أي: حتى تنقضيَ مُدَّةُ إِمهالهم. وقال مجاهد: حتى نأمرَك بالقتال؛ فعلى هذا الآيةُ محْكَمة. وقال في رواية: حتى الموت؛ وكذلك قال قتادة. وقال ابن زيد: حتى القيامة؛ فعلى هذا، يتطرَّق نسخُها. وقال مقاتل بن حيّان: نسختها آيةُ القتال.
قوله تعالى: {وأَبْصَرهُمْ} أي: انظُر إِليهم إِذا نزل العذاب. قال مقاتل بن سليمان: هو العذاب ببدر؛ وقيل: أَبْصِر حالَهم بقلبك {فسوف يُبْصِرونَ} ما اْنكروا، وكانوا يستعجلون بالعذاب تكذيباً به، فقيل: {أَفَبِعذابنا يستعْجِلونَ}.
{فإذا نَزَلَ} يعني العذاب. وقرأ ابن مسعود، وأبو عمران، والجحدري، وابن يعمر: {فإذا نُزِّل} برفع النون وكسر الزاي وتشديدها {بِساحتهم} أي: بفِنائهم وناحيتهم، والساحة فِناء الدّار. قال الفراء: العرب تكتفي بالساحة والعَقْوة من القوم، فيقولون: نزل بك العذاب وبساحتك. قال الزجاج: فكان عذابُ هؤلاء القتل {فَساءَ صباحُ المُنْذَرِينَ} أي: بِئْسَ صباحُ الذين أًنذروا العذاب.
ثم كرَّر ما تقدم توكيداً لوعده بالعذاب، فقال: {وتَوَلَّ عنهم...} الآيتين.
ثم نزَّه نفسَهُ عن قولهم بقوله تعالى: {سُبْحانَ ربِّكَ ربِّ العِزَّةِ} قال مقاتل: يعني: عِزَّةَ مَنْ يتعزَّز من ملوك الدنيا.
قوله تعالى: {عَمَّا يَصِفُونَ} أي: من اتِّخاذ النساء والأولاد.
{وسَلاَمٌ على المُرْسَلِينَ} فيه وجهان:
أحدهما: تسليمُه عليهم إكراماً لهم.
والثاني: إِخباره بسلامتهم.
{والحَمْدُ للهِ ربِّ العالَمِينَ} على هلاك المُشْرِكِينَ ونُصرة الأنبياء والمرسَلين.

1 | 2 | 3 | 4 | 5